الاثنين، 10 ديسمبر 2018

البقر والثور عند المصريين القدماء


البقر والثور عند المصريين القدماء



(لما تروح على بلد بتعبد العجل حش و أديله) , مثل غريب جدا من تراث أمثالنا المصرية يتحدث عن كيفية تسييس الأمور بدون عناد أو تصلف فى أى مكان و زمان, و لكن ليست هذه هى غرابة المثل , بل إن غرابته متعلقه بلفظة (بتعبد العجل او البقر) (و سأستخدم كلمة البقر فى المقال) فظننت فى أول الامر أن الموضوع متعلق بالثقافة الهندية النابعه من الديانة الهندوسيه و بدأت البحث فى التاريخ لعلى اجد ارتباط بين المثل و بين الديانه الهندوسية لكنى تفاجئت حين علمت أن هناك أيضا عبادة للبقر فى الزرادشتيه , بل إن الموضوع راسخ فى القدم و موجود فى المعتقدات الدينية الفرعونية , و هنا ظهرت عدة أسئله مهمه مثل لماذا البقر بالذات ؟ و ما السر وراء ذلك ؟ فقررت البحث فى أصل الموضوع فى الديانة الفرعونية و لم اكن اعلم أنها ستمدنى بالإجابة الوافيه.

يعود أصل الأسطورة إلى قصص عديدة فى التراث الفرعونى فـ أول هذه القصص هو أسطورة هو قصة الربة (نوت) و التى لعبت دورا غاية فى الأهميه فى الميثولوجيا المصرية القديمة كربة للسماء حيث يمر (أتوم) بمركبته كل ليلة ليطمئن على أحوال الآلهه و تنتهى رحلته نهارا حيث تتم ولادة يوم جديد , و قد تمتعت (نوت) بدور فى الطقوس الجنائزيه المصرية و تمحور دورها حول فكرة إعادة البعث و الميلاد لدى المصرى القديم , إذ تشير النصوص إلى رغبة المتوقى فى أن يصبح نجما على جسد (نوت) , و وفقا لمذهب عين شمس فى الخلق فـ إن (نوت) إتحدت مع (جب) لإنجاب (أوزير) و الذى إرتبط بالبعث و دورة إعادة الحياة , و قد لعبت (نوت) دورا هاما فى إعادة إحياء الملك المتوفى فى النصوص المقدسة للأهرام و هو ما تم الإشارة إليه فى العديد من الفقرات , كما أنها لعبت الدور ذاته فى نصوص التوابيت , و قد صورت هذه الأساطير الشمسية فى مجموعة مقدسه من الكتب الدينية و التى عرفت معا (بكتب السماء) , و هى مجموعة جديده من الكتب ظهرت بعد عصر العمارنة , تقوم أساسا على تمثيل المعبودة (نوت) تنقل الرحلة الليلية للشمس بداخل جسدها و من ثم إلى السماء بعد ذلك , و أيضا ترعى الموتى بتحويلهم إلى نجوم على جسدها إلى حين إعادة بعثهم من جديد.

أما الأسطورة الثانية الفرعونية و التى تقوم عليها عبادة البقر هى قصة الربة (حتحور) و التى يعنى إسمها مكان استقرار حور او حورس , و هى توصف بأنها إبنة الإله (رع) , و كانت هى إلهه السماء و الحب و الجمال و المتعة , و صورت كبقرة أو إمرأة يزين رأسها قرص الشمس بين قرنى بقرة و دائما ما تمتلك أذنا بقرة و كانت اهم معابدها فى دندرة (الصعيد) حيث سميت هناك بـ (حتحور العظيمة , سيدة دندرة , راعية السماء , ملكة الآلهة , إبنة رع المبجله) , و قد وحدّتها الثقافه اليونانية بأفروديت لأنها كانت آلهه الرقص و الموسيقى و الحب و كل ما يبعث على السرور , و كانت الربة (حتحور) تصوّر أحيانا كإله من آلهة الموتى و صارت سيدة الموتى فى الثقافة الفرعونية القديمة و تم تصويرها فى المعابد الجنائزية على هيئه شجرة الجميز لكى ترعى الموتى و تعطيهم ما يأكلوه و يستظلو به فى رحلتهم إلى العالم الآخر.

أما الأسطورة الثالثة هى قصة الثور (أبيس) أو الثور المقدس فى الحظائر و الذى يمثل روح الإله (بتاح) و هو يرمز للخصوبة و النماء و كان يعبد فى منف , و كان يتم رسمه كالثور الذى يتوج رأسه بوضع قرص الشمس بين قرنيه , و كانو يختارون العجل أبيض اللون فيه يقع سوداء بالجبهه و الرقبة و الظهر , و كان يعيش فى الحظيرة المقدسة وسط بقراته , و عند موته كان الكهنه يدفنونه فى جنازة رسمية , ثم يتوج ثور آخر كإله فى الحظيرة المقدسة وسط إحتفالية كبرى , و من ملخص هذه الأساطير نجد ان الربة (نوت) و الربة (حتحور) و رمزية الإله (بتاح) تم تجسيدهم فى هيئة بقر كإستدلال على رعايتهم فى الحياة و فى الموت للبشر , ففى الحياة نجد أنهم يمدو البشر بالأمل و التفاؤل و العطاء و النماء , أما بعد الموت نجد أنهما (نوت و حتحور) يمدا يد المساعدة للتخفيف من وطأة الرحلة التى يجتازها البشر فى العالم الأخر , و هو إسقاط مباشر على العلاقة بين الراعى و الرعية فالآلهه هنا تمثل الراعى و البشر هنا يمثلون الرعية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق